Selasa, 06 September 2016

رحلة ابن بطوطة في إندونيسيا




نقله محمد أتم

قال ابن بطوطة -رحمه الله- (٧٠۳-٧٧٩ هـ) في كتابه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار المشهور برحلة ابن بطوطة (ص ٦۳٠-٦۳۳) :

ذكر سلطان الجاوة

وهو السلطان الملك الظاهر من فضلاء الملوك وكرمائهم، شافعي المذهب محب في الفقهاء يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة وهو كثير الجهاد والعزو ومتواضع يأتي إلى صلاة الجمعة ماشيا على قدميه وأهل بلاده شافعية محبون في الجهاد يخرجون معه تطوعا وهم غالبون على من يليهم من الكفار والكفار يعطونهم الجزية على الصلح.

ذكر دخولنا إلى داره وإحسانه إلينا

ولما قصدنا إلى دار السلطان وجدنا بالقرب منه رماحا مركوزة على جانبي الطريق، وهي علامة على نزول الناس، فلا يتجاوزها من كان راكبا. فنزلنا عندها ودخلنا المشور، فوجدنا نائب السلطان، وهو يسمى عمدة الملك. فقام إلينا وسلم علينا، وسلامهم بالمصافحة، وقعدنا معه. وكتب بطاقة إلى السلطان يعلمه بذلك، وختمها ودفعها لبعض الفتيان. فأتاه الجواب على ظهرها. ثم جاء أحد الفتيان ببقشة البقشة (بضم البا الموحدة وسكون القاف وفتح الشين المعجم)، وهي السبنية فأخذها النائب بيده، وأخذ بيدي وأدخلني إلى دويرة يسمونها فردخانة، على وزن زردخانة (إلا أن أولها فاء)، وهي موضع راحته بالنهار فإن العادة أن يأتي نائب السلطان إلى المشور بعد الصبح، ولا ينصرف إلا بعد العشاء الآخرة.
وكذلك الوزراء والأمراء الكبار. وأخرج من البقشة ثلاث فوط : إحداها من خالص الحرير، والأخرى حرير وقطن، وأخرى حرير ومتان. وأخرج ثلاثة أثواب، يسمونها التحتانيات من جنس الفوط، وأخرج ثلاثة من الثياب مختلفة الأناس، تسمى الوسطانيات، وأخرج ثلاثة أثواب من الأرمك، أحدها ابيض، وأخرج ثلاثة عمائم. فلبست فوطة منها عوضا عن السراويل على عادتهم، وثوبا من كل جنس. وأخذ أصحابي ما بقي منها.

ثم جاءوا بالطعام، أكثره الأرز، ثم أتوا بنوع من الفقاع، ثم أتوا بالتنبول، وهو علامة الإنصراف، فأخذناه وقمنا، وقام النائب لقيامنا، وخرجنا عن المشور، فركبنا وركب النائب معنا. وأتوا بنا إلى بستان عليه حائط خشب، وفي وسطها دار بناؤها بالخشب، مفروشة بقطائف قطن يسمونها المخملات (بالميم والخاء والمعجم)، ومنها مصبوغ وغير مصبوغ.

وفي البيت أسرة من الخيرزان، فوقها مضربات من الحرير، ولحف خفاف، ومخاد، يسمونها البوالثت. فجلسنا بالدار، ومعها النائب. ثم جاء الأمير دولسة بجاريتين وخادمين، وقال لي : يقول لك السلطان هذا على قدرنا، لا على قدر السلطان محمد. ثم خرج النائب، وبقي الامير دولسة عندي. وكانت بيني وبينه معرفة. لأنه كان ورد رسولا على السلطان بدهلي. فقلت له : متى تكون رؤية السلطان؟ فقال لي : إن العادة عندنا أن يسلم القادم على السلطان. إلا بعد ثلاثة أيام ليذهب عنه تعب السفر، ويثوب إليه ذهنه. فأقمنا ثلاثة أيام، يأتي إلينا الطعام ثلاث مرات في اليوم، وتأتينا الفواكه والطرف مساء وصباحا. فلما كان اليوم الرابع، وهو يوم الجمعة، أتاني الأمير دولسة فقال لي : يكون سلامك على السلطان بمقصورة الجامع بعد الصلاة. فأتيت الجامع وصليت به الجمعة مع حاجبه قيران (بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف والراء)، ثم دخلت إلى السلطان فوجدت القاضي أمير سيد، والطلبة عن يمينه وشماله. فصافحني وسلمت عليه، وأجلسني عن شماله، وسألني عن السلطان محمد، وعن أسفاري فأجبته. وعاد إلى المذاكرة في الفقه على مذهب الإمام الشافعي. ولم يزل كذلك إلى صلاة العصر، فلما صلاها دخل بيتا هنالك، فنزع الثياب التي كانت عليه، وهي ثياب الفقهاء، وبها يأتي الجامع يوم الجمعة ماشيا، ثم لبس ثياب الملك، وهي الأقبية من الحرير والقطن.

ذكر أنصرافه إلى داره وترتيب السلام عليه

ولما خرج من الجامع وجد الفيلة والخيل على بابه، والعادة عندهم أنه إذا ركب السلطان الفيل، ركب من معه الخيل. وإذا ركب الفرس، ركبوا الفيلة. ويكون أهل العلم عن يمينه. فركب ذلك اليوم على الفيل، وركبنا الخيل وسرنا معه إلى المشور. فنزلنا حيث العادة، ودخل السلطان راكبا وقد اصطف في المشور الوزراء والأمراء والكتاب وأرباب الدولة ووجوه العسكر صفوفا، فأول الصفوف صف الوزراء والكتاب، ووزراءه أربعة، فسلموا عليه وانصرفوا إلى موضع وقوفهم، ثم صف الأمراء فسلموا ومضوا إلى مواقفهم. وكذلك تفعل كل طائفة، ثم صف الشرفاء والفقهاء، ثم صف الندماء والحكماء والشعراء، ثم صف وجوه العسكر، ثم صف الفتيان والمماليك. ووقف السلطان على فيه إزاء قبة الجلوس، ورفع فوق رأسه شطر مرصع، وجعل عن يمينه خمسون فيلا مزينة، وعن شماله مثلها، وهي خيل النوبة، ووقف بين يديه خواص الحجاب. ثم أتى أهل الطرب من الرجال فغنوا بين يديه، وأتى بخيل مجللة بالحرير، لها خلاخيل ذهب وأرسان حرير مزركشة، فرقصت الخيل بين يديه. فعجبت من شأنها، وكنت رأيت ذلك عند ملك الهند. ولما كان عند الغروب دخل السلطان إلى داره، وانصرف الناس إلى منازلهم.

ذكر خلاف ابن أخيه وسبب ذلك

وكان به ابن أخ متزوج ببنته، فولاه بعض البلاد. وكان الفتى يتعشق بنتا لبعض الأمراء، ويريد تزوجها. والعادة هنالك أنه إذا كانت لرجل من الناس أمير أو سوقي أو سواه بنت قد بلغت مبلع النكاح، فلا بد أن يستأمر للسلطان في شأنها، ويبعث السلطان من النساء من تنظر إليها، فإن أعجبته صفتها تزوجها، وإلا تركها يزوجها أولياؤها ممن شاءوا. والناس هنالك يرغبون في تزوج السلطان بناتهم، لما يحوزون به من الجاه والشرف. ولما استمر وابد البنت التي تعشقها ابن أخي السطان، بعث السلطان من نظر إليها وتزوجها. واشتد شغف الفتى بها، ولم يجد سبيلا إليها. ثم إن السلطان خرج إلى الغزو، وبينه وبين الكفار مسيرة شهر. فخالفه ابن أخيه إلى سمطرة، ودخلها إذ لم يكن عليها سور حينئذ، وادعى الملك، وبايعه يعض الناس، وامتنع آخرون. وعلم عمه بذلك، فقفل راجعا عائدا إليها فأخذ ابن اخيه ما قدر عليه من الأموال والذخائر، وأخذ الجارية التي تعشقها، وقصد بلاد الكفار بمل جاوه. ولهذا بنى عمه السور على سمطرة. وكانت إقامتي عنده بسمطرة خمسة عشر يوما، ثم طلبت من السفر إذ كان أوانه. ولا يتهيأ السفر إلى الصين في كل وقت. فجهز لنا جنكا، وزودنا، وأحسن وأجمل جزاه الله خيرا، وبعث معنا من أصحابه من يأتي لنا بالضيافة إلى الجنك. وسافرنا بطول بلاده إحدى وعشرون ليلة، ثم وصلنا إلى مل جاوة (بضم الميم)، وهي بلاد الكفار وطولها مسيرة شهرين، وبها الأفاويه العطرة والعود الطيب القاقلي والقماري، وقاقلة وقمارة من بعض بلادها، وليس ببلاد السلطان الظاهر بالجاوة إلا اللبان والكافور وشيء من القرنفل وشيء من العود الهندي، وإنما معظم ذلك بمل جاوه. ولنذكر ماشهدنا منها، ووقفنا على أعيانه وحققناه.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar